تُعد برودة الأطراف، خصوصًا اليدين والقدمين، من الحالات الشائعة التي يعاني منها كثير من الناس في أوقات مختلفة من العام، وخصوصًا في الطقس البارد.
وهي شعور بانخفاض درجة حرارة الأطراف مقارنة بباقي الجسم، وقد يصاحبها أحيانًا تنميل أو تغير في لون الجلد.
ورغم أن هذه الحالة غالبًا ما تكون استجابة طبيعية لبرودة الجو أو ضعف الدورة الدموية المؤقت، إلا أنها قد تكون في أحيان أخرى مؤشرًا على وجود مشكلة صحية كامنة.
من هنا، تبرز أهمية التمييز بين برودة الأطراف الطبيعية التي لا تدعو للقلق، والحالات المرضية التي تستدعي الانتباه والعلاج.
الأسباب الشائعة لبرودة الأطراف
الأسباب الفيزيولوجية (الطبيعية)
برودة الجو أو ضعف التدفئة:
في الطقس البارد، تتعرض الأطراف مثل اليدين والقدمين للتبريد أسرع من باقي الجسم، خاصة في حال ضعف التدفئة مما يؤدي إلى شعور مؤقت بالبرودة حيث يُقلل الجسم من تدفق الدم إلى الأطراف لحفظ الحرارة لأعضاء الجسم الحيوية مثل القلب والدماغ.
وهذا النوع من البرودة يُعد طبيعيًا ويزول بمجرد العودة إلى بيئة دافئة.
للاستزادة: ألم رأس المعدة: الأسباب ال6، التشخيص، والعلاج
استجابة الجسم الطبيعية للحفاظ على حرارة الأعضاء الحيوية:
عندما يتعرض الجسم للبرد، تتقلص الأوعية الدموية في الأطراف لتحويل الدم إلى الأجزاء الداخلية الأكثر أهمية مثل الأعضاء الحيوية.
و هذه العملية، المعروفة بالتوسع والانقباض الوعائي، هي آلية دفاعية تهدف إلى الحفاظ على حرارة الجسم الأساسية.
الأسباب المرضية
ضعف الدورة الدموية:
في حالات ضعف الدورة الدموية، مثل اضطرابات الشرايين أو الأوردة، يصبح من الصعب على الدم أن يتدفق بشكل كافٍ إلى الأطراف.
يؤدي ذلك إلى شعور مستمر أو متكرر ببرودة في اليدين والقدمين وقد تكون هذه الحالة مرتبطة بأمراض مثل تصلب الشرايين أو انسداد الأوعية.
فقر الدم (الأنيميا):
فقر الدم، أو انخفاض مستوى الهيموجلوبين في الدم، يعني أن الجسم لا يحصل على الكمية الكافية من الأوكسجين.
وفي هذه الحالة، يعاني الشخص من الشعور بالبرد في الأطراف بشكل متكرر لأن الدم لا ينقل كمية كافية من الأوكسجين إلى الأنسجة.
قصور الغدة الدرقية:
تلعب الغدة الدرقية دورًا هامًا في تنظيم درجة حرارة الجسم من خلال إفراز هرمونات تؤثر على معدل التمثيل الغذائي.
وعند قصور الغدة الدرقية، تصبح عملية الاستقلاب بطيئة، مما قد يؤدي إلى شعور دائم بالبرودة، خصوصًا في الأطراف.
داء السكري:
يؤثر السكري على الأعصاب والأوعية الدموية في الجسم، ما يؤدي إلى ضعف تدفق الدم إلى الأطراف. ويعاني مرضى السكري من مشاكل في الدورة الدموية قد تؤدي إلى برودة الأطراف، بالإضافة إلى مضاعفات أخرى مثل التنميل أو ضعف الإحساس في اليدين والقدمين.
أمراض الأوعية الدموية الطرفية:
هذه الأمراض، مثل مرض الشرايين المحيطية، تؤثر على الأوعية الدموية في الأطراف، مما يحد من تدفق الدم.
نتيجةً لذلك، يعاني المرضى من برودة مستمرة في اليدين والقدمين، بالإضافة إلى ألم أو تنميل في بعض الحالات.
داء رينو (Raynaud’s disease):
داء رينو هو اضطراب نادر يؤثر على الأوعية الدموية في اليدين والقدمين، حيث تتقلص الأوعية بشكل مفرط عند التعرض للبرد أو التوتر النفسي، مما يقلل من تدفق الدم إلى الأطراف ويؤدي إلى برودتها الشديد، مع تغير في لون الجلد (من الأبيض إلى الأزرق أو الأحمر).
التوتر أو القلق المزمن:
يمكن أن يؤدي التوتر والقلق المستمر إلى انقباض الأوعية الدموية بسبب استجابة الجسم للضغط النفسي، مما يقلل من تدفق الدم إلى الأطراف ويؤدي إلى شعور بالبرودة المستمرة.
هذه الحالة غالبًا ما تكون مؤقتة، لكن إذا كانت المزمنة قد تتسبب في مشكلات صحية على المدى الطويل.
اقرأ أكثر: هل نقص الحديد يسبب تساقط الشعر؟ إليك 8 حقائق لا يمكن تجاهلها
الأعراض المصاحبة لبرودة الأطراف التي قد تدعو للقلق

بينما يمكن أن يكون الشعور ببرودة الأطراف أمرًا طبيعيًا في بعض الحالات، فإن هناك بعض الأعراض المصاحبة التي قد تشير إلى وجود مشكلة صحية أكبر وتستدعي استشارة طبية فورية. من هذه الأعراض:
تنميل أو وخز مستمر:
إذا كان الشخص يعاني من برودة الأطراف مصحوبة بتنميل أو إحساس بوخز مستمر، قد يكون هذا مؤشرًا على وجود مشاكل في الأعصاب أو الدورة الدموية.
مثل هذه الأعراض قد ترتبط بأمراض مثل مرض السكري أو التصلب المتعدد (MS) أو نقص فيتامين ب12.
تغير لون الجلد (أبيض، أزرق، بنفسجي):
قد تكون التغيرات غير الطبيعية في لون الجلد على الأطراف علامة على انخفاض تدفق الدم إلى المناطق المتأثرة.
إذا كانت الأطراف تتحول إلى لون أبيض، أزرق أو بنفسجي، خاصة عند التعرض للبرد أو التوتر، فقد يكون هذا مؤشرًا على مرض رينود أو مشاكل خطيرة في الأوعية الدموية الطرفية.
ألم في الأطراف:
قد يشير الألم الشديد والمستمر في الأطراف المصاحبة لبرودتها إلى اضطرابات دموية أو عصبية، مثل ضعف الدورة الدموية أو التهاب الأعصاب الطرفية.
وإذا كان الألم يترافق مع ضعف في الحركة أو التنميل، يجب أن يتم تقييم الحالة الطبية بشكل دقيق.
تقرحات أو بطء في التئام الجروح:
إذا كانت الأطراف الباردة مصحوبة بتقرحات أو بطء في التئام الجروح، فقد يكون هذا دليلاً على ضعف الدورة الدموية أو مشاكل في الأوعية الدموية، مما يؤدي إلى عدم قدرة الجسم على شفاء الجروح بشكل طبيعي؛ وهذا يمكن أن يكون نتيجة لمرض السكري أو مشاكل صحية أخرى مثل فقر الدم.
برودة دائمة غير مرتبطة بالجو:
إذا كانت برودة الأطراف مستمرة على مدار اليوم أو لا ترتبط بتغيرات في الطقس، فقد تكون علامة على اضطراب في الدورة الدموية أو حالة صحية كامنة مثل قصور الغدة الدرقية أو أمراض الأوعية الدموية. برودة الأطراف الدائمة يمكن أن تكون مشكلة تحتاج إلى تقييم طبي.
للاستزادة: كل ما عليك معرفته حول تحاليل الفيتامينات
كيف يتم التشخيص الطبي لبرودة الأطراف وأسبابها؟
متى يجب مراجعة الطبيب؟
إذا كانت برودة الأطراف مصحوبة بأعراض أخرى غير طبيعية أو مستمرة، فيجب مراجعة الطبيب لتقييم الحالة بشكل دقيق. من الضروري أن يتم استشارة الطبيب إذا كنت تعاني من:
- ألم مستمر في الأطراف لا يختفي مع الراحة أو العلاج البسيط.
- تنميل أو فقدان الإحساس في الأطراف لفترات طويلة.
- تغير لون الجلد إلى الأزرق أو الأبيض أو الأحمر بشكل مستمر.
- بطء في التئام الجروح أو ظهور تقرحات.
- برودة دائمة غير مرتبطة بتغيرات الطقس.
الفحوصات التي قد يطلبها الطبيب
لتشخيص السبب المحتمل لبرودة الأطراف، قد يطلب الطبيب مجموعة من الفحوصات التي تساعد في تحديد ما إذا كان هناك حالة صحية كامنة تؤثر على الدورة الدموية أو الأعصاب. بعض الفحوصات الشائعة تشمل:
تحليل الدم:
يمكن أن يساعد في الكشف عن وجود فقر الدم (الأنيميا) أو مستويات غير طبيعية للسكر في الدم، مما قد يكون مرتبطًا بالبرودة المستمرة في الأطراف.
وظائف الغدة الدرقية:
فحص مستويات هرمونات الغدة الدرقية لتقييم ما إذا كانت الغدة الدرقية تعمل بشكل صحيح، حيث أن قصورها يمكن أن يؤدي إلى برودة الأطراف.
فحص السكري:
فحص مستويات السكر في الدم، حيث أن مرض السكري يمكن أن يسبب ضعفًا في الدورة الدموية والأعصاب، مما يؤدي إلى برودة الأطراف.
تصوير الأوعية الدموية:
إذا كان الطبيب يشتبه في وجود مشكلة في الأوعية الدموية، مثل تصلب الشرايين أو مرض الأوعية الدموية الطرفية، قد يطلب إجراء تصوير للأوعية باستخدام تقنيات مثل الألتراساوند أو تصوير الأوعية بالرنين المغناطيسي (MRI) لفحص تدفق الدم.
اختبارات الأعصاب:
في حال كان الطبيب يعتقد أن هناك اضطرابًا عصبيًا قد يسبب البرودة، قد يطلب فحوصات لتقييم وظيفة الأعصاب مثل قياس سرعة التوصيل العصبي أو فحص التوصيل العصبي الحسي.
طرق العلاج والتعامل مع برودة الأطراف
في الحالات البسيطة
تدفئة الجسم جيدًا:
إذا كانت برودة الأطراف ناتجة عن برودة الجو أو نقص التدفئة، فإن التدفئة المناسبة يمكن أن تكون كافية لحل المشكلة.
ارتداء ملابس دافئة، استخدام جوارب دافئة وقفازات يمكن أن تساعد في الحفاظ على حرارة الأطراف.
ممارسة الرياضة لتحسين الدورة الدموية:
تساعد الأنشطة البدنية المنتظمة في تحفيز الدورة الدموية وتحسين تدفق الدم إلى الأطراف. الرياضات مثل المشي، الركض، أو تمارين القوة يمكن أن تعزز من تدفق الدم وتخفف من الشعور بالبرودة في الأطراف.
تقنيات الاسترخاء لتقليل التوتر:
بما أن التوتر النفسي قد يزيد من انقباض الأوعية الدموية، فإن تقنيات الاسترخاء مثل التنفس العميق، التأمل، أو اليوغا يمكن أن تساهم في تحسين تدفق الدم وتخفيف برودة الأطراف المرتبطة بالتوتر والقلق.
في الحالات المرتبطة بأمراض
علاج السبب الرئيسي:
في الحالات التي تكون فيها برودة الأطراف مرتبطة بحالات صحية معينة مثل فقر الدم، قصور الغدة الدرقية، أو مرض السكري، فإن علاج السبب الجذري لهذه الحالات هو الأساس في تحسين الأعراض. على سبيل المثال:
- في حالة فقر الدم، يمكن أن يشمل العلاج تناول مكملات الحديد أو فيتامين ب12.
- في حالة قصور الغدة الدرقية، يتم علاج الحالة باستخدام هرمونات الغدة الدرقية لتعويض النقص.
- في حالة مرض السكري، يجب ضبط مستويات السكر في الدم من خلال الأدوية والنظام الغذائي السليم.
أدوية موسعة للأوعية الدموية عند الحاجة:
في الحالات التي يعاني فيها المريض من مشاكل في الأوعية الدموية مثل مرض رينود أو تصلب الشرايين، قد يوصي الطبيب باستخدام أدوية موسعة للأوعية الدموية. هذه الأدوية تساعد في تحسين تدفق الدم إلى الأطراف وتخفيف الشعور بالبرودة.
إرشادات غذائية ونمط حياة صحي:
تناول نظام غذائي متوازن يمكن أن يلعب دورًا هامًا في تحسين الدورة الدموية.
فالأطعمة الغنية بالحديد (مثل اللحوم الحمراء، الخضروات الورقية) وفيتامينات المجموعة ب، وكذلك الحفاظ على وزن صحي وممارسة الرياضة بانتظام، تساعد جميعها في تحسين الدورة الدموية والحد من برودة الأطراف.
الوقاية والنصائح العامة لبرودة الأطراف
للتقليل من احتمالية حدوث برودة الأطراف والحد من تأثيراتها، يمكن اتباع بعض النصائح العامة التي تساهم في تعزيز الدورة الدموية وتحسين الصحة بشكل عام:
الحفاظ على نمط حياة نشط:
ممارسة الأنشطة البدنية بانتظام تعد من أهم الوسائل لتحسين تدفق الدم إلى الأطراف. يمكن أن تشمل التمارين الهوائية مثل المشي، الركض، السباحة، أو التمارين الرياضية الأخرى.
حيث تساهم الرياضة في تقوية القلب وتحسين الدورة الدموية، مما يساعد في تدفئة الأطراف بشكل طبيعي.
ارتداء ملابس مناسبة للطقس البارد:
في الأجواء الباردة، يجب الحرص على ارتداء ملابس دافئة مناسبة، مثل القفازات والجوارب السميكة، للحفاظ على حرارة الأطراف.
كما أن إضافة طبقات من الملابس قد تساعد في الحفاظ على درجة حرارة الجسم ومنع البرودة.
تجنب التدخين لأنه يضيّق الأوعية الدموية:
يعد التدخين من العوامل التي تضر بالدورة الدموية. النيكوتين الموجود في السجائر يؤدي إلى انقباض الأوعية الدموية، مما يضعف تدفق الدم إلى الأطراف.
لذلك فإن تجنب التدخين يمكن أن يساهم بشكل كبير في تحسين صحة الأوعية الدموية وتقليل برودة الأطراف.
تقليل الكافيين إذا كان يؤثر على الأوعية الدموية:
الكافيين يمكن أن يتسبب في انقباض الأوعية الدموية، خاصة إذا تم تناوله بكميات كبيرة. لذلك، من الأفضل تقليل استهلاك المشروبات التي تحتوي على الكافيين، مثل القهوة والمشروبات الغازية، إذا كان لديك مشاكل في الدورة الدموية أو إذا لاحظت أن استهلاكها يؤدي إلى زيادة برودة الأطراف.
برودة الأطراف قد تكون ظاهرة طبيعية تحدث بسبب العوامل البيئية أو التغيرات المؤقتة في الجسم، لكنها قد تكون أيضًا مؤشرًا على وجود مشكلة صحية كامنة تتطلب اهتمامًا طبيًا.
من خلال التوعية والمراقبة الذاتية للأعراض، يمكن التفرقة بين الحالات الطبيعية والمرَضية، مما يسهم في اتخاذ الإجراءات المناسبة في الوقت المناسب.
التشخيص المبكر والعلاج المناسب لا يساهمان فقط في تقليل المضاعفات الصحية، بل أيضًا في تحسين جودة الحياة، من خلال تقليل الشعور بالبرودة المستمر وتحسين تدفق الدم إلى الأطراف.
لذلك، من المهم الانتباه لأي تغييرات غير طبيعية في الجسم ومراجعة الطبيب عند الضرورة.