يُعد نقص الأكسجين عند الولادة من أخطر الحالات التي قد تواجه الطفل أثناء أو بعد لحظة ولادته مباشرة، حيث يُعرف طبيًا باسم الاختناق الولادي (Perinatal Asphyxia) أو اعتلال الدماغ بنقص التروية والأكسجين (Hypoxic-Ischemic Encephalopathy – HIE).
ويحدث نقص الأكسجين عند الولادة عندما لا يحصل دماغ الطفل وأعضاؤه الحيوية على كميات كافية من الأكسجين خلال عملية الولادة أو في لحظاتها الحرجة، مما قد يؤدي إلى تلف دائم في الدماغ أو مضاعفات تؤثر على حياة الطفل ومستقبله.
وتكمن أهمية الحديث عن نقص الأكسجين عند الولادة في أبعاده الطبية والإنسانية، فهو لا يمثّل تحديًا طبيًا فحسب، بل يشكّل أيضًا أزمة نفسية واجتماعية للأسر التي تواجه آثاره الممتدة.
إن التشخيص المبكر والتدخل السريع يمكن أن يصنعا فرقًا جذريًا بين طفل ينمو بصحة جيدة وآخر يعاني من إعاقات دائمة.
وتشير التقديرات إلى أن نقص الأكسجين عند الولادة يؤثر على ما يقارب ٢ إلى ٤ من كل ١٠٠٠ مولود حي في الدول المتقدمة، مع ارتفاع النسب في الدول ذات البنية الصحية الضعيفة.
وتُعد هذه الحالة من الأسباب الرئيسية للإعاقات العصبية طويلة الأمد عند الأطفال، مما يجعلها محط اهتمام بالغ لدى الأطباء والباحثين حول العالم.
ما هو نقص الأكسجين عند الولادة؟
يشير مصطلح نقص الأكسجين عند الولادة إلى حالة طبية تحدث عندما لا يحصل الطفل على كمية كافية من الأكسجين قبل أو أثناء أو بعد عملية الولادة مباشرة.
وهذا النقص قد يؤثر بشكل خطير على الدماغ وأعضاء الجسم الحيوية الأخرى، ويُصنف طبيًا تحت ما يُعرف بـ الاختناق الولادي (Perinatal Asphyxia) أو اعتلال الدماغ بنقص التروية والأكسجين (Hypoxic-Ischemic Encephalopathy – HIE).
يمكن أن يكون نقص الأكسجين عند الولادة إما مؤقتًا يتم تداركه بسرعة دون آثار طويلة المدى، أو دائمًا يؤدي إلى أضرار عصبية مزمنة مثل الشلل الدماغي أو التأخر في التطور الحركي والعقلي.
ويعتمد ذلك على شدة النقص ومدة استمراره قبل أن يتم التدخل الطبي.
من المهم التمييز بين أنواع نقص الأكسجين عند الولادة حسب توقيت حدوثه:
- في الرحم (قبل الولادة): يحدث بسبب مشاكل في المشيمة أو الحبل السري، أو نتيجة أمراض مزمنة لدى الأم تؤثر على تروية الجنين.
- أثناء الولادة: غالبًا ما يكون نتيجة مضاعفات في المخاض مثل الولادة المطولة، أو التفاف الحبل السري حول الرقبة، أو ضعف الانقباضات.
- بعد الولادة مباشرة: قد يحدث نتيجة فشل في الجهاز التنفسي لدى الطفل، أو تأخر في بدء التنفس، أو أمراض خلقية غير مكتشفة.
فهم هذا التفاوت في أسباب نقص الأكسجين عند الولادة يساعد الأطباء على التدخل بشكل أدق وسريع، مما يقلل من فرص حدوث مضاعفات خطيرة للطفل.
اقرأ المزيد: نزلات البرد عند الأطفال: الوقاية والعلاج
الأسباب المحتملة لنقص الأكسجين عند الولادة

يحدث نقص الأكسجين عند الولادة نتيجة تداخل عوامل متعددة قد ترتبط بالأم أو بالجنين أو بالمضاعفات التي تظهر أثناء الولادة نفسها.
فهم هذه الأسباب يساعد في الوقاية والتدخل المبكر لتقليل مخاطر المضاعفات.
أسباب تتعلق بالأم:
- انخفاض ضغط الدم الحاد الذي يقلل من تدفق الدم والأكسجين إلى المشيمة والجنين.
- مضاعفات المشيمة مثل الانفصال المبكر للمشيمة (Placental abruption) أو المشيمة المنزاحة (Placenta previa)، مما يؤثر على إمداد الأكسجين.
- مشاكل في الحبل السري مثل التفاف الحبل حول رقبة الجنين أو ضغط الحبل، مما يعيق تدفق الدم والأكسجين.
أسباب أثناء الولادة:
- الولادة المطولة أو المعقدة التي تزيد من فترة تعرض الجنين لنقص الأكسجين.
- توقف أو بطء الانقباضات الرحمية التي تؤثر على تدفق الدم المؤكسج للجنين.
- تأخر اتخاذ القرار بشأن الولادة القيصرية في حالات الطوارئ، مما يزيد من خطر نقص الأكسجين عند الولادة.
أسباب تتعلق بالجنين:
- تشوهات خلقية في القلب أو الجهاز العصبي تؤثر على قدرة الجنين على تحمل الضغط ونقص الأكسجين.
- العدوى داخل الرحم التي قد تؤدي إلى ضعف وظائف الأعضاء ونقص التروية.
- اختناق الجنين بسبب نقص السائل الأمينوسي أو انسداد مجرى الهواء، ما يسبب نقص الأكسجين عند الولادة.
أعراض وعلامات لنقص الأكسجين عند الولادة
تختلف أعراض نقص الأكسجين عند الولادة بناءً على شدتها ووقت ملاحظتها، وتتراوح بين علامات تظهر فور الولادة وأعراض تتطور خلال الساعات الأولى بعدها.
عند الولادة مباشرة:
- لون الجلد المزرق (الزرقة)، نتيجة نقص الأكسجين في الدم.
- صعوبة في التنفس أو توقف التنفس، مما يتطلب تدخلاً فورياً.
- انخفاض التوتر العضلي وضعف ردود الفعل، مما يدل على تأثير نقص الأكسجين على الجهاز العصبي.
خلال الساعات الأولى بعد الولادة:
- ظهور نوبات تشنج أو حركات لا إرادية.
- صراخ ضعيف أو غائب يعكس ضعف الحالة الصحية للطفل.
- ضعف الاستجابة للمثيرات مثل الصوت أو اللمس، مما يشير إلى تأثر وظائف الدماغ.
العلامات العصبية حسب تصنيف Sarnat:
يُستخدم تصنيف Sarnat لتقييم شدة تأثير نقص الأكسجين عند الولادة على الدماغ، ويقسم الحالة إلى ثلاث درجات:
- خفيفة: مع ظهور أعراض بسيطة مؤقتة.
- متوسطة: تترافق مع ضعف واضح في النشاط العصبي.
- شديدة: تؤدي إلى غيبوبة أو تلف دماغي خطير، وتزيد من خطر المضاعفات طويلة الأمد.
التعرف المبكر على هذه الأعراض والعلامات يُعد مفتاحًا لتقديم الرعاية السريعة والفعالة التي تقلل من المضاعفات الخطيرة لنقص الأكسجين عند الولادة.
للاستزادة: أفضل 3 طرق للوقاية من نزلات البرد عند الأطفال
التشخيص لنقص الأكسجين عند الولادة
يُعد التشخيص الدقيق والسريع لـنقص الأكسجين عند الولادة خطوة أساسية لضمان تقديم العلاج المناسب والوقاية من المضاعفات الخطيرة.
ويعتمد التشخيص على مجموعة من الفحوصات السريرية والمخبرية والتصويرية التي تساعد في تقييم مدى تأثر الطفل.
التقييم السريري بعد الولادة:
يُستخدم مقياس أبغار (Apgar Score) لتقييم حالة المولود خلال الدقائق الأولى بعد الولادة، ويشمل قياس معدل التنفس، لون الجلد، التوتر العضلي، معدل ضربات القلب، واستجابة الطفل للمثيرات. درجات منخفضة في هذا المقياس قد تشير إلى وجود نقص الأكسجين عند الولادة.
تحاليل الدم:
تُجرى تحاليل لقياس درجة الحموضة (pH) في الدم ومستوى اللاكتات، حيث تدل المستويات المنخفضة للحموضة وارتفاع اللاكتات على وجود نقص في الأكسجين وعدم كفاية التروية الدموية.
الفحوصات التصويرية:
يتم إجراء تصوير بالرنين المغناطيسي (MRI) للدماغ لتحديد مدى الضرر الناتج عن نقص الأكسجين عند الولادة، بالإضافة إلى تخطيط الدماغ الكهربائي (EEG) لمراقبة النشاط العصبي واكتشاف أي اضطرابات مثل نوبات التشنج.
تقييم الأوكسجين في الحبل السري:
يُعد أخذ عينات دم من الحبل السري فور الولادة مؤشرًا مهمًا لقياس تشبع الأوكسجين وحالة التروية لدى الجنين، مما يساعد في تحديد وجود نقص الأكسجين عند الولادة بدقة مبكرة.
هذا التشخيص المتكامل يمكّن الفريق الطبي من اتخاذ القرارات العلاجية الفورية والمناسبة لكل حالة، بهدف تحسين فرص الطفل في التعافي.
المضاعفات المحتملة لنقص الأكسجين عند الولادة

يمكن أن يؤدي نقص الأكسجين عند الولادة إلى مجموعة من المضاعفات الخطيرة التي تؤثر على صحة الطفل على المدى الطويل، خاصة إذا لم يتم التدخل الطبي الفوري والفعال.
- تأخر النمو العقلي أو الحركي، حيث يعاني الطفل من صعوبات في التعلم أو التأخر في اكتساب المهارات الحركية مقارنة بأقرانه.
- الشلل الدماغي (Cerebral Palsy)، وهو اضطراب حركي دائم ناتج عن تلف في الدماغ، يؤثر على حركة العضلات وتنسيقها.
- فقدان السمع أو البصر، نتيجة الضرر الذي يصيب الأعصاب المسؤولة عن الحواس نتيجة نقص الأكسجين.
- التوحد أو اضطرابات التعلم التي تظهر في مراحل لاحقة من الطفولة، وتؤثر على التواصل والسلوك الاجتماعي.
إن معرفة هذه المضاعفات المحتملة تُبرز أهمية الكشف المبكر والتدخل العلاجي السريع في حالات نقص الأكسجين عند الولادة، للحد من تأثيراتها وتحسين جودة حياة الطفل.
للاستزادة: التحكم في الوزن أثناء الحمل: 9 طرق صحية ومضمونة لحمل مريح
العلاج والتدخل المبكر في نقص الأكسجين عند الولادة
يمثل العلاج والتدخل المبكر حجر الأساس في تقليل الأضرار الناتجة عن نقص الأكسجين عند الولادة وتحسين فرص تعافي الطفل بشكل كامل أو شبه كامل.
العلاجات الفورية:
- الإنعاش الولادي: يتضمن تقديم دعم التنفس والقلب للمولود فور ولادته، لضمان وصول الأكسجين إلى الأعضاء الحيوية، ويُعد هذا التدخل الأول والأهم.
- التبريد العلاجي (Therapeutic Hypothermia): يُستخدم خلال أول 6 ساعات بعد الولادة، حيث يُخفض درجة حرارة جسم الطفل بشكل محكم لخفض الأضرار العصبية الناتجة عن نقص الأكسجين وتحسين الوظائف الدماغية.
العلاجات طويلة الأمد:
- العلاج الفيزيائي والتأهيلي: يهدف إلى تحسين الوظائف الحركية وتقليل الإعاقات الحركية الناتجة عن تلف الدماغ.
- المتابعة العصبية والنفسية: تشمل تقييم وتقديم الدعم اللازم لمواجهة أي مشاكل تطورية أو سلوكية تظهر مع مرور الوقت.
- العلاج المهني والنطق: يساعد الأطفال على اكتساب مهارات التواصل والقيام بالأنشطة اليومية بشكل مستقل.
إن الالتزام بهذه الخطط العلاجية وتوفير بيئة داعمة يساهم بشكل كبير في تحسين نتائج الأطفال الذين يعانون من نقص الأكسجين عند الولادة.
اقرأ أيضاً: التهاب الجيوب الأنفية: ما هي أنواعه ال4 وطرق علاجه؟
الوقاية من نقص الأكسجين عند الولادة
تلعب الوقاية دورًا أساسيًا في الحد من حدوث نقص الأكسجين عند الولادة وتقليل مضاعفاته على المواليد الجدد وتعتمد الاستراتيجيات الوقائية على مراقبة دقيقة وتدخل سريع في اللحظات الحرجة.
- المتابعة الجيدة خلال الحمل من خلال الفحوصات الدورية التي تكشف عن أي مشاكل قد تؤثر على إمداد الأكسجين للجنين، مثل ارتفاع ضغط الدم أو اضطرابات المشيمة.
- مراقبة وضع الجنين أثناء الولادة باستخدام تقنيات حديثة مثل تخطيط قلب الجنين المستمر، لضمان الكشف المبكر عن علامات الضائقة والاختناق.
- التدخل السريع في حالات الطوارئ مثل الولادة القيصرية الطارئة أو تعديل خطة الولادة لتفادي تعرض الجنين لنقص الأكسجين.
- تدريب الطاقم الطبي على الإنعاش السليم للمواليد، مما يضمن تقديم الرعاية الفورية والكفؤة في اللحظات الحاسمة لمنع تطور نقص الأكسجين عند الولادة.
إن تطبيق هذه الإجراءات الوقائية يعزز فرص ولادة أطفال أصحاء ويقلل من المخاطر الصحية المرتبطة بـنقص الأكسجين عند الولادة.
يُعد نقص الأكسجين عند الولادة من الحالات الطبية الحرجة التي تتطلب وعيًا كبيرًا من الأهل والمختصين على حد سواء.
فقد استعرضنا في هذا المقال تعريف الحالة، أسبابها، أعراضها، وطرق تشخيصها، بالإضافة إلى المضاعفات المحتملة والعلاجات الفعالة والتدابير الوقائية التي يمكن أن تُسهم في تقليل حدوثها.
إن تعزيز الوعي حول نقص الأكسجين عند الولادة هو خطوة حيوية نحو الوقاية والكشف المبكر، وهو ما يمكن أن يُحدث فارقًا كبيرًا في إنقاذ حياة الأطفال وتحسين جودة حياتهم على المدى الطويل.
لذلك، ندعو الأهل والطاقم الطبي إلى التعاون المستمر وتوفير الرعاية الشاملة للمواليد، مع الالتزام بالتدخل العلاجي السريع والدقيق.
الكشف المبكر واتباع الخطط العلاجية المناسبة يمثلان مفتاحًا أساسيًا لضمان مستقبل صحي وآمن للأطفال الذين يواجهون خطر نقص الأكسجين عند الولادة.


