الوالدية المشروطة: حين يصبح الحب امتحانًا يلاحق الطفل حتى الكبر

الوالدية المشروطة: حين يصبح الحب امتحانًا يلاحق الطفل حتى الكبر

منذ عشر سنوات وأنا أمارس عملي كطبيب نفسي، قابلت أشخاصًا من مختلف الأعمار والخلفيات، لكن أكثر ما كان يُفاجئني هو أن أكبر الجروح النفسية لا تأتي من أحداث ضخمة… بل من نقص بسيط في الحب، من نظرة، أو كلمة، أو مقارنة قالها الأب أو الأم دون قصد، لكنها علقت في روح الطفل مثل شوكة لا يمكن رؤيتها… لكنها تؤلم كلما تقدم في العمر.

وأحد أكثر الأنماط التي رأيتها تعيد نفسها في العيادة هو: الوالدية المشروطة؛ الحب الذي لا يأتي مجانًا… بل يُكتسب.

طفلة كانت تقول لي: “كنت أشعر أن حب أمي يأتي مع الدرجات، يزورني فقط عندما أنجح… ويغادر حين أرتكب خطأ صغيرًا.”

كبرت تلك الطفلة – التي أصبحت الآن امرأة ناجحة – لكنها ما زالت تبحث عن “درجة الـ100” في كل شيء… في عملها، في علاقاتها، وحتى في تفاصيل يومها. تبحث عنها لأنها تشعر أن قيمتها معلّقة بها.

ما هي الوالدية المشروطة؟

الوالدية المشروطة

الوالدية المشروطة ليست صراخًا أو ضربًا… بل أخف وأكثر صمتًا، لكنها أعمق جرحًا. هي طريقة تربية تربط الحب – القبول والاهتمام – الاحترام بمدى التزام الطفل بتوقعات معينة.

يُسمع الطفل رسائل مثل:

“أحبك إذا كنت طفلًا جيدًا.”

“أفتخر بك عندما تنجح فقط.”

“لا أتحدث معك لأنك أخطأت.”

“ابن عمّك أفضل منك.”

هذه الرسائل لا تُقال دائمًا بصوت عالٍ… لكنها تُقال بنبرة، أو تعبير وجه، أو انسحاب عاطفي مفاجئ.

وغالبًا ما يمارسها الوالدان بدافع الحب ظنًا منهم أنهم يحفّزون، بينما هم في الحقيقة يخلقون أطفالًا ناجحين من الخارج… متعبين من الداخل.

تعلم أكثر عن دور الشباب في تنمية الأسرة والمجتمع:  نصائح من طبيب نفسي

لماذا تعتبر الوالدية المشروطة خطيرة؟

لأنها لا تؤذي السلوك فقط… بل تؤذي الهوية فالطفل لا يفهم أن “السلوك كان سيئًا”، بل يفهم: “أنا سيئ… ولست محبوبًا إلا بشروط.”

ولذلك، تتحول هذه التربية إلى تشوّه داخلي يستمر لعقود.

في جلسة معي، قالت لي امرأة في الثلاثينات: “لو لم أحقق كل ما يُتوقع مني، أشعر أني لا أستحق الحب… لا أعرف كيف أحب نفسي.”

كانت هذه العبارة نتيجة ثلاث كلمات تكررت عليها في طفولتها: “عيب… خيّبتِ أملي”.

من الناحية العلاجية، الوالدية المشروطة تعد من أعمق جذور اضطرابات البالغين مثل القلق، الكمالية المؤذية، العلاقات غير المتوازنة، وحتى الاكتئاب المزمن.

اقرأ أكثر عن دور مرافق رعاية كبار السن في تحقيق الرفاهية

الآثار المستقبلية للوالدية المشروطة

1. شعور دائم بعدم الكفاية

مهما حقق الشخص، يبقى داخله صوت يقول: “لم يكن هذا كافيًا… حاول أكثر.”

2. الاعتماد على رضا الآخرين

القيمة الذاتية تصبح مرهونة بمدى إعجاب الآخرين، وليس برضا الشخص عن نفسه.

3. الخوف المرضي من الفشل

ليس لأن الفشل مؤلم، بل لأن “الفشل يعني فقدان الحب”.

4. كبت المشاعر

لأن الشخص تربى على أن التعبير قد يؤدي إلى سحب الحب، فيتعلم الصمت.

5. علاقات غير متوازنة

إما تبعية كاملة… أو تجنب للارتباط خوفًا من التقييم.

6. القلق والاكتئاب في عمر مبكر

خاصة لدى المراهقين الذين يحاولون باستمرار “إثبات جدارتهم”.

للمزيد يمكنك قراءة المزيد عن الشيخوخة الإيجابية وتأثيرها على جودة الحياة

الحب غير المشروط… العلاج الحقيقي

أنا دائمًا أقول للآباء في جلسات الإرشاد الأسري: “طفلك لا يحتاج أن يكون مثاليًا… يحتاج أن يكون نفسه.”

الحب غير المشروط يُعلّم الطفل:

  • أن قيمته ثابتة
  • أن الخطأ جزء من النمو
  • أن العلاقات مبنية على القبول وليس الأداء
  • أن الحب مساحة أمان وليس اختبارًا

أحد أبرز التحولات التي رأيتها كان مع أم كانت تستخدم المقارنة باستمرار وبعد جلسات عدة، بدأت تقول لابنتها: “أنا فخورة بك لأنك أنت… لا بسبب درجاتك.”

تغيّر سلوك الطفلة خلال ثلاثة أشهر فقط؛ أصبحت أكثر ثقة، أكثر جرأة، وأقل خوفًا من المدرسة.

تعلم أكثر عن أهمية وجود الأب في الأسرة ودوره في بناء الأمان العاطفي

نصيحة من طبيب نفسي… إلى كل والد ووالدة

الطفل لا يحتاج إلى أب أو أم كاملين بل يحتاج إلى قلب مطمئن، وصوت مطمئن، ورسالة تقول: “أحبك… ليس لأنك الأفضل، بل لأنك ابني.” هذه الجملة وحدها يمكن أن تغيّر مستقبل إنسان.

في حكيم كير، نرافق الأسر في رحلتها نحو تربية صحية، خالية من الضغط والذنب، ومليئة بالوعي والحب غير المشروط. سواء كنت تواجه صعوبات مع طفلك، أو لاحظت آثار الوالدية المشروطة على نفسك أو أحد أفراد أسرتك…

نحن هنا لنقدّم دعمًا نفسيًا متكاملًا بخبرة سريرية تمتد لأكثر من عشر سنوات.

Enana Sarem
Enana Sarem

OBGYN Resident - MedTech SEO Specialist at Maps of Arabia

مقالات ذات صلة
اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.تم وضع علامة * على الحقول المطلوبة